المدير: نهارك سعيد يا كمال بيه ..حضرتك منورتناش بقالك فترة.. مكان حضرتك في انتظارك..
كمال: نهارك سعيد يا ماركوس.. انت عارف المشاغل كتيرة .. اشكرك..
وتوجه كمال نحو مكانه المعهود في زاوية المحل ذات..وجلس في مكانه المعهود حيث يكون ظهره معطي لجميع من في المحل مما يعطيه فراغه الخاص..
انتظر ماركوس كمال ان ينتهي من جلوسه و ابتسامته الهادئة لا تفارق ملامحه..
ماركوس : نفس طلب كل مرة يا كمال بيه؟
رد كمال : ايوا لو سمحت يا ماركوس..اكون ممنون ليك..
وأوماء ماركوس رأسه في هدوء ذهب ليحضر لكمال طلبه..
وضع كمال يديه امامه و تشابكت اصابعه في بعضعها حيث بدأت تظهر عليها تعالبم حياته التي لا يعرفها سوي القليل ..
وكان كمال في منتصف العقد الرابع وكانت جوانب شعره قد بدأ ينتشر فيها البياض الناصع راوية تجارب لا يدركها سوي من يعلم كمال تمام العلم..
كان كمال ذو وجه طويل و ابيض و بنيته متوسطة و وجهه ذو لون ابيض و عينان ذات لون أخضر فاتح و حواجبه و شعره يميلان الي لون بني فاتح.. كثيرا ما كان ينخدع البعض و يعتقدون انه من اصل اجنبي..ولكن أهل كمال من المنصورة..
أخرج كمال علبة سجائره الامريكية الصنع "لاكي سترايك" و أخرج سيجارة ووضعها علي اطراف شفاهه و أخرج قداحته واشعل السيجارة التي أخذ منها نفسا عميقا.. ونفث دخان السيجارة التي اصبحت كسحاب تترأي امامه .. يرسم فيها ملامحه افكاره..
وفجأءة ودون اي مقدمات..ارتفعت حواجب للحظة و انخفضتا .. و كأنه شعر بشيء ما.. ولكن لا يدري بعد ما هو..
و تمتم في نفسه.."أعرف هذا الشعور... ولكنه زال منذ سنين أو اعتقدت انه زال!"
وجاء ماركوس بطلبه..
ماركوس : كمال بيه..
وهنا قاطعه كمال بحركة من يده طالبا منه ان يسكت ..
وتسمر ماركوس في مكانه..
واستدار كمال ببطء شديد و قلبه كان قد بداء يخفق بشدة.. موجها نظره ناحية مدخل المقهي..
وطال انتظاره لبضع دقائق .. ولم يحدث شئ...
وحاول ماركوس المقاطعة..
ماركوس : كمال بيه.. حضرتك مستني حاجة ؟ أو حد؟
كمال: لأ بالعكس .. انا باعتذر اذا كنت خضيتك..
ماركوس : لا يا فندم تحت أمرك .. اتفضل طلبك..
ووضع ماركوس قدح من القهوة و فازة بها زهرة ياسمين واحدة..
ماركوس : اي خدمة تانية يا كمال بيه؟
كمال: لا يا ماركوس شكرا..
وانصرف ماركوس عائدا الي عمله..
وقام كمال بتقريب الزهرة الي وجهه و أغلق عينيه و هو يستنشق عبيرها.. و يكمن لمن حوله ان يرو تأثير ذلك العبير علي ملامح وجه كمال رغم هدوئه ..وامسك بقدح القهوة ورفعه ليرتشف رشفة .. واذ به تسمر مرة أخري..
التف ببطيء ليجد أمرأة جمالها جعل كل من في المقهي يترك ما يفعله ليري من هي.. وكانت ذات شعر أحمر ناري .. وعيناها
عسليتين تظهر عليها علامات الخبث والدهاء و الجمال الفتان .. وكانت ملامح وجهها تشبه الفنانة سامية جمال..مرتدية ثوب زهري وتحمل في يدها حقيبة جلدية من نفس اللون ..كانت تبدو في دخلتها الي المكان فرشاة اضافت اللون و الحياة الي مكان كانت تخلو منه اي نوع و لون من الوان الحياة
كانت ابتسامتها مرسومة علي شفتيها من يراها لا يساعه الا ان ينظر وان يسقط و يغرق في بحر عيونها .. حتي ان بعض النساء المجودات وبخن ازواجهن علي نظراتهم لها و قامت احداهما في اصرار ان ترحل و رحلت بالفعل هي و زوجها الذي مر بجانب تلك المرأة و هو يتأملها وكأنه لم يري شيء مثلها في حياته...
قامت السيدة بمخاطبه ماركوس الذي ارشدها الي مكان خالي..
استدار كمال بسرعة ووضع يده علي عينيه غير مصدقا ما يراه.. كاد يفتح فاه ليقول شئ ولكن كل الكلمات تحولت الي حجرفي حلقه و سقطت في بئر روحه..حاول جاهدا ان ينفي لنقسه ان ما يراه صحيح.... يكاد ان يجزم بما يشعر ولكن كل خلجة من خلجاته تقول لا ولكن قلبه يثور بنعم..
كان لا يزال ممسكا بقدح القهوة في يده التي بدأت ترتعش بعض الشئ حتي انه لوضع القدح مكانه علي الطاولة استغرق الامر بضع دقائق..
وراحت الاسئلة تدور في مجرات رأسه التي لا نهاية لها..
اصبح يدخن سيجارته في عصبية غير معهودة حتي انه انتي من سيجارة و اشعل واحدة اخري بعدها مباشرة..
جلس صامتا لا يعرف ماذا عليه ان يفعل .. ولم يعد يعلم ما الذي يشعر به..
كلمة واحدة فقط ظلت تحوم في رأسه بل بالأحري اسم واحد..
أغمض عينيه و قال لنفسه مستحيل.. بل من سابع المستحيلات لا يمكن...
وقام كمال بلف رأسه بخفة و بهدوء شديدين كي لا يلفت انتباه أحد ليري هذه المرأة مرة أخري عسي ان تكون عيناه قد خدعتاه .. و ما ان نظر اليها حتي تهاوي قلبه في أقدامه.. لم يكن يعلم ان ذلك اليوم سيجئ و ها هي هناك في الركن الأخر من المقهي ..
وتمتم ذلك الاسم لنفسه...
ظل الاسم يتردد في مخليته ألاف المرات
وبدأت الرؤي و الذكريات تظهر امام عينيه ..
ولكن لم يستطع ان يوقف رنة اسمها في عقله..
"استر".. قالها و معها ارتعشت كل خلجة في جسمه...
(للرواية بقية)
2.6.2009